حقائق التفسير للسلمي (التفسير الإشاري)
المقدمة
إن القرآن له ظهر وبطن. فإن ظاهر
القرآن -هو المنزل بلسان عربي مبين- هو المفهوم العربي المجرد. وباطنه هو مراد
الله تعالى وغرضه الذي يقصد إليه من وراء الألفاظ والتراكيب، هذا خير ما يقال في
معنى الظاهر والباطن.[1]
التفسير الإشارى هو
تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب
السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظاهر المرادة.[2] وهذا التفسير الإشاري مندرج
في النوع الثاني عن أنواع العلم الباطن، وهو الباطن الذي لا يخالف العلم الظاهر،
فهو بمنزلة الكلام في العلم الظاهر قد يكون حقا وقد يكون باطلا.[3]
فمن علماء التفسير
بالنسبة إلى موقفهم في التفسير الظاهر والباطن،فمنهم من وجه همته إلى التفسير
الظاهر ولم يتعرض للتفسير الإشاري. ومنهم من جعل غالب همه في التفسير الظاهر وتعرض
للتفسير الإشاري بقدر. ومنهم من غلبت عليه النفسير الإشاري، و يتعرض أحيانا
للتفسير الظاهر. ومنهم من وجه همته كلهه للتفسير الإشاري، ولم يحل حول المعاني
الظاهر. ومنهم من أعراض عن الظاهر وجمع في تفسيره بين التفسير الصوفي النظري
والتفسير الصوفي الإشاري.[4]فمن خلال هذه التفاسير
الباطينية، سنخص هذا البحث في التفسير الإشاري للسلمي المسمى بحقائق التفسير.
أ.
التعريف
بالمؤلف
1.
اسمه ونسبه
2.
مولدته ونشأته
ولد سنة 330 هـ
(ثلاثين وثلاثمائة من الهجرة). كان رحمه الله شيخ الصوفية وعالمهم بخراسان، له
اليد الطولى فى التصوف، والعلم الغزير، والسير على سنن السلف، أخذ الطريق عن أبيه،
فكان موفقا فى جميع علوم الحقائق ومعرفة طريق التصوف. وكان على جانب عظيم من العلم
بالحديث، حتى قيل: إنه حدث أكثر من أربعين سنة إملاء وقراءة. وكتب الحديث
بنيسابور، ومرو، والعراق، والحجاز، وصنف سننا لأهل خراسان، وأخذ عنه بعض الحفاظ:
منهم الحاكم أبو عبد الله، وأبو القاسم القشيرى، وغيرهما، ولقد خلف - رحمه الله -
من الكتب ما يزيد على المائة: منها ما هو فى علوم القوم، ومنها ما هو فى التاريخ،
ومنها ما هو فى الحديث، ومنها ما هو فى التفسير.[6]
3.
مؤلفاته
خلف السلمي عددا من المصنَّفات، نذكر منها أشهرها:[7]
- آداب الصُّحبة وحسن العشرة.
- تاريخ الصوفية.
- حقائق التفسير.
- السؤالات السلمى لدارقطني
- طبقات الصوفية
4.
وفاته
ب.
التعريف بالكتاب ودوافع تأليفه
اسم هذا الكتاب
الكامل "حقائق التفسير". يقع هذا التفسير في مجلد واحد كبير الحجم، ومنه
نسختان مخطوطتان بالمكتبة الأزهرية.[10]
ولم يظهر في تاريخ
التفسير الإشاري حتى القرن الخامس، أهم من حقائق التفسير للسلمى، ولطائف الإشارات
للقشيري وإن كان القشيري قد استفاد من السلمى فائدة كبرى واقتبس منه كثيرا من
آرائه .[11]
أما دوافع تأليفه، صرح
في مقدمته أنه أراد أن يجمع تفسير أله الحقيقية في كتاب مستقل كما فعل أهل الظاهر،
ورتبها على حسب السور والآيات.[12]وعلى ذلك يعد تفسيره جمعا
لمجموعة الأقوال المنقولة عن أئمة التصوف ومشايخهم، وليس تأليفا بالمعنى
الاصطلاحي. [13] وأهم
من ينقل في حقائقه: جعفر بن محمد الصادق، وابن عطاء الله السكندري، والجنيد،
والفضيل بن عياض،وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم كثير.[14]
فمن ثم سما هذا
التفسير بحقائق التفسير،معناه كتاب جمع فيها مقالات أهل الحقيقة عن معاني آيات
القرآن.
ج.
طريقة التفسير
إن التفسير للسلمي يستوعب جميع سور القرآن ولكن لا يتعرض لكل الآيات بل يتكلم عن
بعضها ويغضي عن بعضها الآخر. فحينما يعرض إلينا الاية جرى تفسيره للاشارات التي
تضمتنها الاية ولا يعرض عن ظاهر الاية. فجعل من الحروف اشارات إلى مان بعيجة الصلة
عن المعنى اللغري وفسر تفسيره بنوعيه الاشاري النظري[15].
ثم نسب الاية إلى أقوال من أئمة أهل التصوف.
د.
منهج
تفسير الكتاب
1.
منهج
تفسير الكتاب من حيث المصدر
كما تقدم في طريقة تأليف هذا التفسير،إنه اقتصر
على المعاني الإشارية لم يجحد المعاني الظاهرة للقرآن.
وفي تفسيره لقوله تعالى:
﴿الم تر أن الله أنزل من السماء ماء
فتصبح الارض مخضرة﴾[16]
يقول بعضهم: أنزل مياه الرحمة من سحائب القربة وفتح إلى قلوب عباده عيونا من ماء
الرحمة فأنبتت فاخضرت بزينة المعرفة، ولأثمرت الايمان وأينعت التوحيد، أضاءت
بالمحبة فهامت إلى سيدها واشتاقت إلى ربها فطارت بهمتها وأناخت بين يديه، وعكفت
فاقبلت عليه وانقطعت عن الاكوان اجمع هذ ذاك أراها الحق إليه، وفتح لها خزائن
أنواره، واطلق لها الخيرة في بساتين الإنس ورياض الشوق والقدس ....،،[17]
فمن خلال هذا فمنهج تفسيره من حيث
المصدر هو التفسير الإشاري.
2.
منهج
تفسير الكتاب من حيث ترتيب آياته
هذا التفسير من نوع التفسير التحليلى
لأن السلمي جمع مقالات أهل الحقيقة بعضها إلى بعض، ورتبها على حسب السور والآيات
وأخرجها للناس في كتاب سماه حقائق التفسير.[18]
3.
منهج
تفسير الكتاب من حيث وسع بيانه
يرى
السلمي أن معاني كلام الله تعالى غير محصورة بالمعاني اللغوية بل مكنونات وأسرار
خص بها أهل الحقائق، هذا التفسير مبينا أقوالهم في ماحوته بواطن الآيات من
الأسرار، لأن للقرآن ظاهرا وباطنا كما يقول.[19]
وعلى ذلك يعد تفسيره جمعا لمجموعة الأقوال المنقولة عن أئمة التصوف ومشايخهم، وليس
تأليفا بالمعنى الاصطلاحي.[20]
مع
أنه تفسيره سيتوعب لمجيع آيات القرآن، لكنه لم يفسر لكل اية تفصيلا، بل بتكلم عن
بعضها ويغضي عن بعضها الآخر، ولم يجهد فيه لظاهر المعنى فيقتصر على المعاني
الإشارية. وكما تقدم في مقدمته أن مجهوده في هذا التفسير أنما هو الجمع والترتيب.[21]
من
خلال هذا نستطيع أن نستنبط أن منهج تفسيره من حيث وسع بيانه هو التفسير الإجمالي.
وإلينا مثال أجمال تفسيره :
قوله تعالى: ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ[22]
قال في
تفسيره : {ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} أى: يُحَسِّن فى أعينهم قبائح أفعالهم. ولم يفسر بعده الاية 16و 17.[23]
ومن حيث وسع بيانه من الجهة الإشارية، عرض السلمي تفسره
نفصيلا بذكر أقوال أئمة التصوف، مثال نفسيره في قوله تعالى : {وَمَن
يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ
عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ}
(النساء :69)
قوله عز وجل: (مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ
أَطَاعَ ٱللَّهَ)
قال جعفر بن محمد الصادق رحمة الله عليه: من عرفك
يا محمد بالرسالة والنبوة فقد عرفنى بالربوبية والإلهية.
قال سهل رحمه الله: من يطع الرسول فى سنته فقد أطاع
الله فى فرائضه.
وقال أيضًا: لأهل المعرفة همة الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم.
وقال أيضًا: لأهل المعرفة همة الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم.
قال: من صحح الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم
وألزم نفسه طاعته، أوصله الله تعالى إلى مقامات الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم
وسلامه، والصديقين والشهداء. قال الله تعالى: {وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ
فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ
وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ}.
وقال بعضهم: لم يصل الأنبياء والصديقون إلى الرتب
الأعلى بأفعالهم، ولكن أنعم الله عليهم فأوصلهم، وليس يصل أحد إلى تلك الرتب إلا
بملازمة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطنًا.
وقال بعضهم: المتحققون فى طاعة الرسول مع الأنبياء والمقتصدون مع الشهداء والظالمون مع الصالحين.
وقال بعضهم: المتحققون فى طاعة الرسول مع الأنبياء والمقتصدون مع الشهداء والظالمون مع الصالحين.
وقيل: طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة للحق عز
وجل لفنائه عن أوصافه وقيامه بأوصاف الحق، وفنائه عن رسومه وبقائه بالحق ظاهراً
وباطنًا، وطاعته طاعته وذكره ذكره، فيه يصل العبد إلى الحق وبمخالفته يقطع عنه.[24]
4.
منهج
تفسير الكتاب من حيث عرض بيانه
قلنا، بأن تفسيره مجموعة الأقاويل
المنقولة عن أئمة التصوف ومشايخهم، وأهم من ينقل عنه السلمي في تفسيره: جعفر بن محمد
الصادق، وابن عطاء الله السكندري، والجنيد، والفضل بن عياض، وسهل بن عبد الله
التستري، وغير ذلك. ولم يتعرض فيه مقارنة أقوال الأئمة من الفقهاء وأهل اللغة،
ويقتصر في أقوال أهل التصوف، فنستطيع أن نستنبط أن منهج تفسيره من حيث عرض بيانه،
أنه من نوع التفسير البياني.
ه.
اتجاه التفسير
اتجه السلمي تفسير بالاتجاه الإشاري النظري.[25]
مثال تفسيره فى سورة النصر عند قوله تعالى فى أولها:
{إذا جآء نصر الله والفتح} .. يقول: "قال ابن عطاء الله: إذا شغلك به عما
دونه فقد جاءك الفتح من الله تعالى، والفتح هو النجاة من السجن البشرى بلقاء الله
تعالى"[26].
أما النظري فنجده في تفسيره قوله تعالى : (وَمَا
رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ)[27]،قال بعضهم : ولكن رميت بسهام الجمع فغيبك عنك،
فرميت وكنا الرامين عنك، لأن المباشرة لك والحقيقة لنا إذ لم نفترق.[28]
و.
محاسنه
1.
إن كل اتجاهه كان منحصرا فى جمع ما يتيسر من آراء الصوفية حول آيات
من القرآن الكريم،لإنه له طابعا خاصا هو طابع التفاسير الصوفية الخالصة[29]
2.
أن هذه الاشارات لا تهدف فى قليل ولا فى كثير إلى أن تحل محل التفسير
المألوف كما أن هذه الاشارات لا تتعارض مع التفسير المالوف
3.
أن هذا التفسير من تفاسير الإشاري الأولى
5.
أنه تأثر في تفسيره من آراء القشيري
أ.
مآخذه
1.
يجعل السلمي من الحروف اشارات الى معان هي بعيدة الصلة عن المعنى
اللغوي
2.
انه في تفسير قد يتجاوز الظاهر ويتجاوز اللغة ويأتي بأشياء بعيدة عن
المعنى اللغوي الظاهري حتى قال بعضهم انه لم يخل من فكر باطني[30]
3.
اتهام العلماء أنه كذب في تنسيب الأقوال الى أئمة الصوفية كجعفر
الصادق. فقال ابن تيمية "وما ينقل في حقائق السلمي عن جعفر الصادق عامته كذب
على جعفر كما قد كذب عليه في غير ذلك[31]
الاختتام
ما كان هذا التفسير
ليفهم كثير من الناس، لأنه من المتصوف. وهذا التفسير من إحدى مصنفة المشهور بطباقة
المتصوف، كذالك صار التفسير امصدرا لقشيرى فى تأليه كتابه واتجاه تفسيره من التفسير الإشاري الذي يفهمه
بنفسه و أهله. وإما رأينا بعض الذم عنه فمازلنا أن نقول بأن لهذا الكتاب تأثيرا فى
اوجوه واستفاءه على خزائن التعليم وتعلم التفاسير.
مصادر البحث
القرآن
الكريم
الذهبي،محمد
حسين، 1119، علم التفسير، قاهرة: دار المعارف
__________،
2000، التفسير والمفسرون، الجزء2، قاهرة:
مكتبة وهبه
الخالدي،
صلاح عبد الفتاح،1429، تعريف الدارسين بمناهج المفسرين، دار القلم ، دمشق: 1469ه
محمد
حسين الذهبى، التفسير والمفسرون، مكتبة وهبة. (القاهرة: د. س)الجزء الثاني،
ص. 284
آل
جعفر، مساعد مسلم، 1980، مناهج
المفسرين، د. م: دار المعرفة
تقي الدين، أبو العباس أحمد بن
عبد الحليم بن تيمية الحراني،1995، مجموع الفتاوى، الجزء 13 ا لمدينة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف
الشريف
الرومي
، فهد بن عبدالرحمن سليمان ، د. س،بحوث في أصول التفسير ومناهجه، الرياض:
مكبتة التوبة
السلمي،أبو عبد الرحمن،1427، سؤالات
السلمي للدارقطني الجزء الأول،
القطان،
مناع، مباحث في علوم القرآن، 1393، سورابيا: الهداية
محمود،منيع بن عبد الحليم،مناهج المفسرين، 1421،
القاهرة: دار الكتاب المصرى
dorar.net
يعقوب
، طاهر محمود محمد ،1425 ه، أسباب الخطأ في التفسير دراسة تفصيلية،
القاهرة : دار ابن الجوزي
الخزي
، أحمد بن محمد الأدندوي تحقيق سليمان بن صالح ،1997 م، طبقات المفسرين،
المدينة المنورة : مكتبة العلوم والحكم
http://www.greattafsirs.com
[1]محمد
حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، مكتبة وهبه (القاهرة :2000 م) ص 260 ج 2
[2]محمد
حسين الذهبي، علم التفسير، دار المعارف (القاهرة : 1119) ص70
[3]طاهر
محمود محمد يعقوب، أسباب الخطأ في التفسير دراسة تفصيلية، دار ابن الجوزي (
القاهرة : 1425 ه) ص 740 ج 1
[5]صلاح
عبد الفتاح الخالدي، تعريف الدارسين بمناهج المفسرين ، دار القلم، (دمشق : 1469ه )
ص 526
[8]أحمد
بن محمد الأدندوي تحقيق سليمان بن صالح الخزي، طبقات المفسرين ، مكتبة العلوم
والحكم، (المدينة المنورة :1997 م) ص 102
ج 2
[9]الذهبي،
التفسير والمفسرون ، ص 284 ج2
[10]الذهبي،
التفسير والمفسرون ، ص 284 ج2
[11]dorar.net
[13]مساعد
مسلم آل جعفر و محيي هلال السرحان، مناهج المفسرين، دار المعرفة (القاهرة : 1980م
) ص 232
[14]الذهبي،
التفسير والمفسرون ، ص 284 ج2
[15]آل
جعفر ، نفس المرجع، ص 234
[16]الحج:
63
[17]آل
جعفر، نفس المرجع، ص: 234
[18]الذهبي،
التفسير والمفسرون، ص. 285 ج 2
[19]آل
جعفر ، مناهج المفسرين: 232، حقائق التفسير: 1/9-10
[20]نفس
المرجع، ص. 232
[21]الذهبي،
التفسير والمفسرون ص 285 ج 2
[22]البقرة
: 15
[25]مناهج
المفسرين ص 234
[27]الأنفال
:17
[30]آل
جعفر، مناهج المفسرين ص 234
[31]الذهبي،
التفسير والمفسرون ص 286 ج 2
Tidak ada komentar:
Posting Komentar