آراء الأشاعرة دليل في وجود الله
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد :
إن أهل السنة والجماعة كمذهب ديني وضعه وأسسه صاحب
الشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يتناوله الصحابة والتابعون ثم تابعو
التابعين من بعدهم إلى يوم القيامة. ويأتي بعده أبو الحسن الأشعري الذي أسس مذهبه
بنفس الاسم فتبعه تابعوه من الأشاعرة فسموا مذهبهم مذهب الخلف وسموا مذهب أهل
السنة والجماعة الأول بمذهب السلف. ووضع أبو الحسن الأشعري الحجج والبراهين
والدلائل في تقرير العقيدة بالتوسط بين العقل
والنقل، ويستعمل التأويل في بحثه. ونخص بحثه في تقرير العقيدة في إثبات دليل وجود
الله تعالى.
البحث
آراء الأشاعرة دليل في وجود الله
أ.
تعريف الأشاعرة نشأته وظهوره
لفظ الأشاعرة
يطلق على من سلك مسلك الإمام الحسن الأشعري في الاعتقاد، لا تقليدا بل اهتداء، فمل الإمام أبي الحسن –رحمه الله تعالى- كمن عقد
على طريق السلف لواء ليهتدي به من يراه، فالانتساب إليه بمنزلة الانتساب إلى
الإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد –رضي الله عليهم- في الفروع الفقهية، إذ مع
كونهم مختلفين في طرق الاستنباط واستخراج الأحكام، إلا أنهم متفقون على المصادر
التي يصدرون عنها والموارد التي يردونها، وكذلك الإمام أبو الحسن الأشعري في أبواب
أصول الدين، إنما هو آخذ من القرآن الكريم والسنة الشريفة، وسائر على طريق السلف،
والانتساب إليه إنما هومن حيث كونه أضاء تلك الطريق وتصب عليها نطاقا وشهرها في
الإمة بعد أن حاول طمسها أصحاب البدع والأهواء.[1]
قال الإمام
تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى : اعلم أن أبا الحسن لم يبدع رأيا ولم ينشأ
مذهبا، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك به
وإقام الحجج والبراهين عليه فصار المعتقدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى
أشعريا.[2]
وقد ظهر هذا المذهب في القرن الرابع الهجري.[3] أدى
الدعم السياسي السلطوي لمذهب الأشاعرة إلى انتشار هذا المذهب وهو ما يدين به
المسلمون من أهل السنة بشكل عام في عالمنا المعصر.[4]
أهم شخصيات
الأشاعرة
1.
الإمام
القرطبي
2.
الإمام
أبو الفداء إسماعيل بن كثير
3.
ابن
حجر العسقلاني
4.
إمام الحرمين الجويني
5.
الإمام
الغزالي
6.
جلال
الدين السيوطي
7.
الفخر
الرازي
8.
الشهرستاني
9.
أبو
الثناء شهاب الدين الألوسي الحسيني الحسني
10. الإمام الحافظ أبو الحسن الدارقطني
11. الحافظ الحاكم النيسابوري
12. الحافظ أبو نعيم الأصبهاني
ب.
تعريف
أبي الحسن الأشعري
اسمه علي بن إسماعيل بن إبي بشر إسحق
بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري.
وكنيته أبو الحسن.[5]
ولد أبو الحسن الأشعري بالبصرة سنة ستين مائتين من الهجرة (260 ه) وسكن بغداد
وتوفي بها سنة أربع وعشرين وثلاثمائة من الهجرة على الأرجح .[6]
وكان أبو الحسن نشأ في بيئة إسلامية
سنية حيث كان والده إسماعيل بن أبي بشر إسحق سنيا جماعيا حديثيا (من مذهب أهل
السنة والجماعة وأهل الحديث) وأراد أن يكون الولد ممثلا لنفسه، ولذلك عندما توفي
والده –كان اتو الحسن في أثناء تلقي دروسه الأولى من إتقان القراءة والكتابة وحفظ
القرآن- ثم يخطو كذلك إلى دراسة الحديث والتفسير وأصوله، والفقه وأصوله وعلوم
اللغة، وبرع في نلك العلوم كلها.[7]
ومرت مراحله الاعتقادية بعد وفاة أبيه
إلى ثلاثة مراحل :
المرحلة الأولى: المرحلة الاعتزالية،
ملازمة لشيخه أبي علي الجبائي زوج أمه واستمر على الاعتزال إلى سن الأربعين.
المرحلة الثانية : المرحلة الكلابية،
عاش أبو الحسن الأشعري في آخر المرحلة الاعتزالية حيرة كبيرة، وقد اختفي مدة عن
الناس خاليا بنفسه ليعرف الحق، ومال إلى طريقة ابن كلاب الذي أثبت الصفات الذاتية
ونفى ما يتعلق منها بالمشيئة.
المرحلة الثالثة : المرحلة السنية،
منتسبا إلى الإمام أحمد بن حنبل في الاعتقاد.
أما المنهج الذي يسلكه في منهجه التوسط
بين العقل والنقل، ويستعمل التأويل في بحثه في العقيدة[8]
ت.
آراء
الأشاعرة في دليل وجود الله
1.
رأي أبي الحسن الأشعري
كان الأشعري نفسه في كتابه اللمع، الذي
خلصه الأستاذ أمل فتح الله زركشي في كتابه عقيدة التوحيد، يستدل على وجود الله
باستعمال الدليل على نشأة الإنسان وصيرورة الإنسان من نطفة ثم علقة ثم مضغة ولحم
ثم عظام حتى يصير إنسانا حقيقيا، وهذا التطورالعجيب لا يمكن أن يحدث بالمصادفة
وإنما هناك من يخلق ومن ينظم وهذ المنظم لا يمكن أن يكون من إنسان بل يجب أن يكون
أكبر وأقوى وأقدر من الإنسان. وهذا الخالق القادر هو الله، مستدلا بالآية :
2.
رأي إمام الحرمين الجويني[11]
استدل إمام
الحرمين الجزيني إثبات وجود الله في ضوء المتكلمين بحيث قـرر
الجوينـي الدليل فـي إثبات وجـود الله تعالـى بقوله: " إذا كان العالم يتكون
مـن جواهر وأعراض، وثبـت بالدليل العقلي أن الأعراض حادثة، وأن الجواهر لا تخلوا
منها، فإن كل مالا يخلو مـن الحوادث فهو حادث، إذا فالعالم بجوهره وأعراضه حـادث،
وإذا كان العالم حادثا، فـلا بـد لـه مـن محـدث فاعـل مختـار وهو الله عز
وجل" .
ثـم يقول: " وإنما قلنا إن المحدث هو
الله تعالى لأن القول بخلافه يؤدي إلى احتمالين باطلين هما :
الأول:
أن الأجسام أحدثت نفسهـا فيكـون العالـم قديمـا وهـذا يؤدي إلـى الدور - الدوران -
والتسلسل الباطل .
وهكذا يستدل الإمام الجويني بدليل الحدوث
على إثبات وجود الله عز وجل وهو الدليل الذي يركز على إثبات حدوث الجواهر والأعراض
ليؤكد بعد ذلك وجود المُحدِث لها وهو الله تعالى .
3.
رأي حجة الإسلام الغزالي[13]
أما وجود الله، عز وجل، فالدليل عليه
عنده هو دليل الصنعة التي تدل على الصانع، يقول في كتابه إحياء علوم الدين: "
إن هذا الأثر العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره وفاعل يحكمه ويقدره
بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرّفة بمقتضى تدبيره".
ويثبت الغزالي لله الصفات التي وصف بها الله تعالى نفسه. ووافق الجويني في حدوث العالم.
4.
رأي فخر الدين الرازي[14]
ذكر الرازي
أربعة براهين على وجود الله تعالى من الأدلة العقلية الكلامية، فإنه يستدل بدلائل
الآفاق من بعضها سفلية عنصرية، ومجامعها الاستدلال بأحوال الحيوان والنبات
والمعادن، وبعضها علوية فلكية، ومجامعها الاستدلال بأحوال الأفلاك والكواكب.
5.
رأي الشهرستاني[15]
رأى
الشهرستاني دليل وجود الله بمشاهدة العالم وما فيها من التنظيم المرتت و التدبير
المنسق. والإنسان بفطرةه وعقله السليم ليعرف بأن خالقها ومدبرها هو الله. ومهما
كان لا يعترف بوجوده، ولكن عندما وقع في مشقة شديدة وفي حالة ضيقة، فهو سيدعو اسم
الله بغير عمد لطلب المعونة. [16]
المناقشة :
فمن
أقوال رجال الأشاعرة التي ذكرنا في السابق في استدلال عن وجود الله، يستعملون إلى النظر إلى العالم وما فيها من التدبير والتنظيم ومن نشأة
الإنسان وصيرورته، ومنها وهذا هو رأي
الأشاعرة في إثبات وجود الله على الأغلب. ورأي الجويني و الغزالي دليل إثبات وجود
الله بالأدلة في ضوء الفلسفة والكلام بحدوث العالم وقدوم المحدث. فدليل إثبات وجود
الله في رجال الأشاعرة ليس يقف على العقل والنقل فحسب، لأن – كما عرفنا أن
الشهرستاني و الغزالي من رجال الفلسفة- فقدما دليلهما في ضوء الفلسفة لإفحام
ملاحدة الفلاسفة بالطرق الفلسفية التي يفهمونها، والتي لا يخضعون إلا لها، من باب
محاربتهم وسلاحهم. وبين دليل الإثبات إما دليل الصنع أو دليل الحدوث، لا يتعرضان
بعضهم بعضا، بل يتأيدان نعقلها بعقل سليم، إذ كلاهما يستدلان على وجود الصانع
والخالق، وهو الله وحده لاغيره.
الاختتام
الأشاعرة فرقة ينسب إلى الإمام الحسن الأشعري في إقامة
الحجج والبراهين والدلائل في الأمور الدينية والاعتقادية، وهو من خلف مذهب أهل
السنة والجماعة. وهو في منهج تقرير العقيدة التوسط
بين العقل والنقل، ويستعمل التأويل في بحثه في العقيدة. وقد ظهر هذا المذهب في القرن الرابع الهجري. والأشاعرة في استدلالهم وجود
الله يذكرون دلائل الآفاق سفلية عنصرية وعلوية فلكية والنظر إلى نشأة الإنسان
وصيرورته ويذكرون الأدلة العقلية الكلامية بحدوث العالم وقدوم المحدث لإفحام
ملاحدة الفلاسفة بالطرق الفلسفية التي يفهمونها، والتي لا يخضعون إلا لها، من باب
محاربتهم وسلاحهم.
مصادر البحث
رستم ، سعد ، الفرق المذاهب
الإسلامية منذ البدايات، (دمشق: الأوائل للنشر والتوزيع، 2005)
العنجري
، حمد السنان وفوزي ، أهل السنة الأشاعرة، (دار الضياء)
مركز
النون للتأليف والترجمة، دراسات في المذاهب الإسلامية ( بيروت:
جمعية المعارف الإسلامية والثقافية ، 2011)
محمد
نور ، خالد بن عبد اللطيف، منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد
الله، (المدينة النبوية: مكتبة الغرباء الأثرية، 1995) ص 29
زركشي
، أمل فتح الله ، دراسة في علم الكلام تاريخ المذاهب الإسلامية وقضاياها
الكلامية، (فونوروكو: جامعة دار السلام للطباعة والنشر، 2006)
___________،
عقيدة التوحيد عند الفلاسفة والمتكلمن والصوفية، (فونوروكو: جامعة
دار السلام للطباعة والنشر، 2007)
جمعة،
علي، المتشددون منهجهم .. ومناقشة أهم قضاياهم، (القاهرة: دار
المقطم للنشر والتوزيع، 2011)
[4] مركز النون للتأليف والترجمة، دراسات في المذاهب
الإسلامية ( بيروت: جمعية المعارف الإسلامية والثقافية ، 2011) ص 46
[5]خالد بن عبد اللطيف بن محمد نور، منهج أهل
السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله، (المدينة النبوية: مكتبة الغرباء
الأثرية، 1995) ص 29
[7] أمل فتح الله زركشي، دراسة في علم الكلام تاريخ
المذاهب الإسلامية وقضاياها الكلامية، (فونوروكو: جامعة دار السلام للطباعة
والنشر، 2006) ص 277
[8] أمل فتح الله زركشي، عقيدة
التوحيد عند الفلاسفة والمتكلمن والصوفية، فونوروكو: جامعة دار السلام للطباعة
والنشر، 2007) ص 33
[11] هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف
بن محمد بن عبد الله بن حيوة الجويني، ولد في 18 محرم 419هـ الموافق 12 فبراير 1028م، وتوفي25 ربيع
الآخر 478هـ الموافق20 أغسطس 1085، من مصنفاته الشامل
في أصول الدين.
[12] انظر : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول
الاعتقاد للجويني، ص39-ص50 ، باب القول في حدث العالم. وانظر: مناهج الإسلاميين في
إثبات وجود الله ووحدانيته. د. صالح
الرقب، ج1، ص 338-339 .
[13] أبو حامد محمد الغزالي الطوسي
النيسابوري الصوفي الشافعي الأشعري، أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، 450 هـ 505- ه / ـ1058م 1111-م. مؤلف الكتاب إحياء علوم
الدين
Tidak ada komentar:
Posting Komentar