التفسير في عهد الصحابة
كان القرآن هو المرجع
الأول للمسلمين في ذلك العصر أيضا، يقرؤونه في صلاتهم، ويهدرون به في غزوهم
ويرتلونه في قيام ليلهم.
وأن الصحابة رضوان
الله عليهم كانوا عربا خلص يفهمون القرآن ويدركون معانيه ومراميه بمقتضى سليقتهم
العربية فهما لا تعكره عجمة ولا يشوهه شيء من قبح الابتداع وتحكم العقيدة الزائفة،[1] يعرفون
معاني اللغة وأسرارها، وأنهم عاشوا فترة نزول الوحي مع النبي، فعرفوا أسباب
النزول، وأدركوا كا أحاط القرآن من ظروف وملابسات تعين على فهم كثير من الآيات، لهذا
قال الواحدي: ى يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان سبب نزولها.[2]
غير أن الصحابة مع
كفائتهم في اللغة العربية، بل أنهم متفاوتين على تفسير القرآن، تبعا لمقدار سماعهم
التفسير من رسول الله ولمقدار ما شاهدوا من أسباب النزول، ولأن نزول القرآن بلغة
العرب لا يقتضي أن العرب كلهم كانوا يفهمون في مفرداتة وتراكيبه، إذ الفهم لا
يتوقف على معرفة اللغة وحدها، بل لا بد لمن يفتش عن المعاني ويبحث عنها من أن تكون
له موهبة عقلية خاصة، تتناسب مع درجة الكتاب وفوة تأليفه وكثير من الأحيان بحاجة
إلى توقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم.
أ.
تفاوت
الصحابة في فهم القرآن
كان تفاوتهم يرجع بعضهم إلى بعض،
إذ التفاوت بينهم راجع إلى التفاوت في قوة الفهم و الإدراك، والتفاوت فيما أحاط
بالآية من ظروف وملايسات، بل كانوا يتفاوتون في معرفة المعاني التي وضعت لها
المفردات. فكانت تفاوتهم في امور تالية:
1. تفاوتهم في أدوات الفهم كالعلم باللغة
فمنهم من كان واسع الاطلاع فيها ملما بغريبها، كمنهم دون ذلك
2. تفاوتهم في ملازمة الرسول صلى الله
عليه وسلم وحضور مجالسه
3. تفوتهم في معرفة أسباب النزول وغيرها
مما له تأثيره في فهم الآية
4. تفاوتهم في العلم الشرعي
5. تفاوتهم في مداركهم العقلية شأنهم شأن
غيرهم من البشر، كل هذا وغيره كان من أسباب تفاوتهم في معرفة القرآن وتفسيره.[3]
ب. مصادر التفسير في هذا العصر
كان
الصحابة في هذا العصر يعتمدون في تفسيرهم للقرآن الكريم على أربعة مصادر:
الأول
: القرآن الكريم
الثاني
: النبي صلى الله عليه وسلم
الثالث:
الاجتهاد وقوة الاستنباط
الرابع
: أهل الكتاب من اليهود والنصارى. [4]
ج.
منهج
الصحابة في تفسير القرآن الكريم
يقوم منهج
الصحابة رضي الله عنهم في التفسير على ثلاثة اسس:
الأول
: تفسير القرآن بالقرآن
الناظر
في القرآن الكريم يجد أنه قد اشتمل على الإيجاز والإطناب، وعلى الإجمال والتبيين،
وعلى الإطلاق والتقييد، وعلى العموم والخصوص، لهذا كان لا بد لمن يتعرض لتفسير
كتاب الله تعالى أن ينظر في القرآن أولا، فكان صورة تفسير القرآن بالقرآن ما يلي:
·
شرح
ما جاء موجزا في القرآن بما جاء في موضوع آخر مسهبا
·
حمل
المجمل على المبين ليفسر به
·
حمل
المطلق على المقييد، والعام على الخاص
·
الجمع
بين ما يتوهم أنه مختلف
·
حمل بعض القراءات على غيرها، فبعض القراءات تختلف
مع غيرها في اللفظ وتتفق في المعنى[5]
ومثال
تفسير القرآن بالقرآن، قوله تعالى : (( فتلقى آجم من ربه كلمات ))[6]،
فسرتها الآية : (( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من
الخاسرين))[7].
الثاني
: تفسير القرآن بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم
وإن
لم يجد الصحابة رضي الله عنهم تفسير الآية في القرآن رجعوا إلى الرسول صلى الله
عليه وسلم،
ومثال
تفسير القرآن بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن
عقلة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على
المنبر: (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة))[8]
ألا وإن قوة الرمي.[9]
الثالث
:الاجتهاد والاستنباط
فإن
لم يجد الصحابة رضي الله عنهم التفسير في القرآن ولا في سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم اجتهدوا لأنهم عرب خلص شاهدوا التنزيل وحضروا مجالس الرسول صلى الله
عليه وسلم والقرآن نزل بلسان عربي مبين،[10]
وكان أدوات اجتهادهم:
·
معرفة
أوضاع اللغة وأسرارها
·
معرفة
عادات العرب
·
معرفة
أحوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقت نزول القرآن.
·
قوة
الفهم وسعة الإدراك[11].
ومثال التفسير
بالاجتهاد والاستنباط:
قوله : (( وليس البر
بأن تأتوا البيوت من ظهورها))[12]
لا يمكن معنى المراد منه، إلا لمن عرف عادات العرب في الجاهلية وقت نزول القرآن.[13]
د.
مميزات
التفسير في هذه المرحلة
أولا
: لم يفسر القرآن جميعه، وإنما فسر بعض منه، وهو ما غمض فهمه. وعذا الغموض كان
يزداد كلما بعد الناس عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فكان التفسير
يتزايد هذا الغموض إلى أن تم تفسير آيات القرآن جميعها.
ثانيا
: قلة الاختلاف بينهم في فهم معانيه.
ثالثا
: كانوا كثيرا ما يكتفون بالمعنى الإجمالي، ولا يلزمون أنفسهم بتفهم معانيه
تفصيلا.
رابعا
: الاقتصار على توضيح المعنى اللغوي الذي فهموه بأخصر لفظ، فإن زادوا على ذلك فمما
عرفوه من أسباب النزول.
خامسا
: ندرة الاستنباط العلمي لللأحكام الفقهية من الآيات القرآنية وعدم وجود الانتصار
للكذاهب الدينية بما جاء في كتاب الله، نظرا لاتحادهم في العقيدة، ولأن الاختلاف
المذهبي لم يقم إلا بعد عصر الصحابة رضي اللع عنهم.
سادسا
: لم يدون شيء من التفسير في هذا العصر ، ولأن التدوين لم يكن إلا في القرن
الثاني.
سابعا
: اتخذ التفسير في هذه المرحلة شكل الحديث، بل كان جزءا منه وفرعا من فروعه، ولم
يتخذ التفسير له شكلا منظما، بل كانت هذه التفسيرات تروي منثورة لآيات متفرقة، كما كان الشأن في رواية الحديث.[14]
ه.
حكم
التفسير الصحابي
تفسير
الصحابي ينقسم إلى قسمين:
1.
إذا
كان مما ليس للرأي فيه مجال كالأمور الغيبية، وأسباب النزول ونحوها فله حكم المرفوع
يجب الأخذ به.
2.
وإذا
كان غير ذلك مما يرجع إلى اجتهاد الصحابي فهو موقوف عليه ما دام لم يسنده إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم و أوجب بعض العلماء الأخذ بموقوف الصحابي لما شاهدوه من
القرائن والاحوال التي اخيصوا بها وليست لغيرهم.[15]
و.
المفسرون
في هذه المرحلة
قال
السيوطي في الإتقان : (( ولقد اشتهر بالتفسير من الصحابة : الخلفاء الأربعة، وابن
مسعود، وابن عباس، و أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن
زبير)).[16]
وهناك
من تكلم في التفسير من الصحابة غير هؤلاء: كانس بن مالك، وأبي هريرة، وعبد الله بن
عمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة، غير أن ما نقل عنهم
في التفسير قليل جدا، ولم يكن لهم من الشهرة بالقول في القرآن ما كان للعشرة المذكورين أولا.[17]
وأكثر من روى من هؤلاء العشرة، أربعة هم : عبد الله بن عباس، عبد الله بن مسعود،
ثم علي بن أبي طالب، ثم أبي بن كعب، رضي الله عنهم جميعا.[18]
الخلاصة
كان الصحابة رضوان الله عليهم كانوا عربا خلص
يفهمون القرآن ويدركون معانيه ومراميه بمقتضى سليقتهم العربية فهما لا تعكره عجمة
ولا يشوهه شيء من قبح الابتداع وتحكم العقيدة الزائفة، ومع كفأتهم باللغة العربية،
فإن القرآن بلغة العرب لا يقتضي أن العرب كلهم كانوا يفهمون في مفرداتة وتراكيبه،
فتفاوت الصحابة في ب تفسير القرآن الكريم حسب تفاوتهم في فهم معاني القرآن الكريم.
وأما منهجهم في تفسير
القرآن، فكانوا يرجعون إلى القرآن والسنة، فإن لم يجدوا اجتهدوا في تفسيره.
ومن أشهر المفسرين من
الصحابة، فهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، و أبي بن كعب، وزيد بن
ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن زبير.
مصادر البحث
الرومي، فهد بن عبد الرحمن بن سليمان، بحوث في
أصول التفسسير ومناهجه، (1419 ه: الرياض، مكتبة التوبة)
شحاتة، عبد الله، علوم التفسير، (2001م:
القاهرة، دار الشروق الأول)
الذهبي، محمد حسين، التفسير والمفسرون،
(2000 م: مكتب وهبه)
[1]
الرومي، فهد بن عبد الرحمن بن سليمان، بحوث في
أصول التفسسير ومناهجه، (1419 ه: الرياض، مكتبة التوبة) ص : 19
Tidak ada komentar:
Posting Komentar