المقدمة
المدينة
المنورة هي اسم أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم بدلا من "يثرب". و
إطلاقها من الجهة اللغوية هي اسم يدل على المكان بنيت عليه الحضارة. وأما اسم
"يثرب" نفسه أعطلقه الجاهليون[1]نسبة
إلى يثرب أحد نسب نوح عليه السلام ، فهو الجيل السادس من نسبه وقيل أيضا أنه
الثامن.
المدينة
المنورة قبل الإسلام
المدينة
المنورة واحة خصبة التربة كثيرة المياه تحيط بها الحرات من جهاتها الأربع شهيرة
بعصمة الزواعية قبل الإسلام. واليهود هم النازلون الأولون بيثرب وأن بداية نزوحهم
من الشام في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد بعد ان نجح الرومان في السيطرة على
سورية ومصر في القرن الأول. ق. م . وعلى اليهود ودولة الأنباط في القرن الثاني بعد
الميلاد، مما أدى باليهود إلى الهجرة إلى شبه جزيرة العرب التي كانت بعيدة عن
سيطرة الرومان الذين أفزعهم.[2]
أما
عرب المدينة – الأوس والخزرج- فينتمون إلى قبائل الأزد اليمينة التي هاجرت من
اليمن بعد انهيار سد مأرب وتدهور الأحوال الاقتصادية فيها، وأرجح القول أن مجيئهم
إلى يثرب كان في حوالي أواخر القرن الرابع الميلادي. [3]
ومن
الجهة الدينية، فقد اختلف الوضع فقد تجاور فيها العرب مع اليهود ، وكان لهؤلاء
دينهم، ولهؤلاء دينهم، بل يمكن القول : إن اختلاف عناصر السكان، فقد كان عرب يثرب
(الأوس والخزرج) وثنين وقد لا يختلفون في ذلك عن عرب مكة والطائف ، من حيث تعلقهم
بالأصنام والالتفات حولها.[4]
ومن
الجهة الاجتماعية، فإن نقطة الضعف الرئيسة في موقف عرب يثرب من الأوس والخزرج هي
التنافس والعصبية فيما بينهم، وكانت تلك فرصة اليهود –غالبا- الذين كانوا يحشرون
بينهم ويذكرون روح العصبية والتنافس حتى يصل الأمر إلى الحروب وسفك الدماء بين
الإخوة، وظهر الإسلام والأمر على تلك الحال ، وكانت آخر الحروب بين الأوس والخزرج
، هي حرب بعاث التي وقعت قبيل الهجرة بقليل.[5]
فظهور
الإسلام و هجرة النبي صلى الله عليه وسلم هو نقطة البداية في نتظيم المجتمع
الإسلامي في المدينة المنورة. وودت الباحثة أن تفضح حيلة الرسول صلى الله عليه
وسلم في تنظيم المجتمع الإسلامي في المدينة.
البحث
تنظيم
المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة
قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ليلة الجمعة ، 12 من ربيع الأول
1 ه، المعادل بالتاريخ 27 من سفتمبر 622 م، ونزل على بيت أبي الأيوب الأنصري.[6]
فهجرة
النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة هي الفرصة النفيسة اعتزت بها
الإسلام في مستقبله. فهي له عليه الصلاة والسلام انتهاء تبليغ الرسالة خفية و
العهد الجديد لتبليغ الرسالة جهرا. وهم حوله الصلاة والسلام الجيل الأول ارتعت تحت
ظلال رسالته، فابتدأ الجهاد الجديد في اللون الاجتماعي في المدينة المنورة، وهو ما
عليه النبي صلى الله عليه وسلم رعايته.
فوضع
فيها الأسس والنظم بني عليها المجتمع المدني تحت ظلال الإسلام، وهي :
أ.
بناء
المسجد
لقد
كانت الخطوة الأولى في المدينة، بعد وصول الرسول ضلى الله عليه وسلم واستقراره،
وفي اليوم الأول الذي نزل فيه هو بناء المسجد النبوي, وهو عنوان هذه الأمة، وهو
الذي يمثل رمزا انتصاراتها. فكان قيام المسجد النبوي وإعلان التوحيد في المدينة،
هو إعلان دولة الإسلام. وسيبقى المسجد بالنسبة للمسلمين رمز اتنصارهم ، لا على أنه
دار عبادة فحسب، بل هو دار حياة المسلم، فالمسجد يحكم البيت ، ويحكم الشارع، ويحكم
الحاكم، ويحكم الحياة. [7]
وأسس
فيها حلقة العلم للمسلمين، وحلقة الاجتماع اجتمعت فيها القبائل لتحليل الاختلافات
مما وقعت بينهم، وأسس فيها مركز التنظيم في أمور الدعوة وهو كذلك مجلس المشاورة
بين الولاة والوزراء.
ب.
المؤاخاة
اعتبر
الإسلام المؤمنين كلهم أخوة ، وأوجب عليهم الموالاة لبعضهم والتناصر في الحق
بينهم. فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه في المدينة ، آخى بين المسلمين في
مكة قبل الهجرة على الحق والمساواة، فآخى بين حمزة وزيد بن حارثة، وبين أبي بكر
وعمر، وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهم ذلك وقد شملت المؤاخاة تسعين
رجلا خمسة و أربعين من المهاجرين وخمسة و أربعين من الأنصار.[8]
وقد
ترتب على تشريع نظام المؤاخاة حقوق خاصة بين المتآخين كالمساواة بين الإثنين،
والمساواة ليست محدودة بأمور معينة بل مطلقة لتعني كل أوجه العون على مواجهة أعباء
الحياة سواء كان عونا ماديا أو رعاية ونصيحة وتزاورا ومحبة.[9]
وأن الغرض الأسمى من هذه المآخاة هي إزالة التعصب الجاهلي وإسقاط حد النسب ، ولون
الجلد، والقبائل. ومن ثم فلا أساس المصاحبة والحرية إلا ما عليها الإسلام.[10]
ولا
شك أن المرء يقف مبهورا أمام هذه الصور الرائعة من الإخوة المتينة والإيثار
المتبادل الذي لا نشهد له مثيلا في تواريخ الأمم الأخرى.
ت.
وثيقة
المدينة
لقد نظم نظم النبي صلى الله عليه وسلم العلاقات بين سكان
المدينة، وكتب في ذلك كتابا أوردته المصادر التاريخية، واستهدف هذا الكتاب أو
الصحيفة توضيح التزامات حميع الأطراف داخل المدينة، وتحديد الحقوق والواجبات، وقد
سميت في المصادر القديمة بالكتاب والصحيفة، وأطلقت الأبحاث الحديثة عليها لفظة الدستور
الوثيقة. [11]وأمضى
عليها في السنة الأولى من الهجرة / 622 من السنة الميلادية. وغرض الأسمى من هذه
الوثيقة هو تقوية موقف المسلمين من الاتجاهات خارج البلاد.[12]
وذلك أن التعصب والتنافس بين القبيلتين –الأوس والخزرج- قد سبب إلى المقاتلة
والحروب بينهما، والقبائل الصغيرة قد انضم إلى إحدى القبيلتين. ولا شك أن هذه
التحولات مهدت لسيطرهم على المدينة التي كانت السيادة فيها اليهود ، وقد حاول
اليهود الدفاع عن تسلطهم بتفتيت وحدة العرب من أوس وخزرج وإثارة الشقاق بينهم
فأفلحوا في إذكاء العداوة وقيام الحروب بين الجانبين. [13]
ومن ثم طلب سكان يثرب قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليحلل مشاكلهم وأثرهم الأمن والاطمئنان بينهم إذ سأموا في حالتهم الغليظة. فوضع النبي
صلى الله عليه وسلم النظم السياسية المورودة في وثيقة المدينة على 47 فصول.
ونستطيع أن نخلصها :
أ.
أن الوحي أرسله الله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو
المصدر الأول لقانون الحكومة
ب.
أن القبائل المختلفة والأنساب المتنوعة في المدينة المنورة
هي الأمة الواحدة كلفت عليها الواجبات والمسؤوليات نحو حكومة المدينة المنورة
ت.
أن النبي صلى الله عليه وسلم رئيس الرعاية ورئيس الجمهور
ث.
اتفاق الجوانب على الحقوق والحرية في الأمور الدينية
ج.
اتفاق الجوانب على ارتباط صلة متينة بينهم لا يفرقهم الدين
والنسب
ح.
دور هذه الوثيقة تقوية دعائم العدل وإزالة الظلم
وثيقة المدينة كما بينه علماء المسلم، منهم حسن ابن إبراهيم
حسن، فإنها دلت على قيام الدولة ولها أربعة دعائم :
أ.
توحيد جميع المسلمين من القبائل المتفرقة على لواء أمة
واحدة
ب.
إحياء روح التعاون، والاتحاد و حفظ أنفسهم بينهم
ت.
التقرير بأن كل الرعية لهم الواجبات لحمل الأسلحة، وحفظ الأمن،
وحفظ المدينة من الغارات خارج البلاد
فهذه هي الوثيقة وضعها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة
تضمنت فيها مبادئ عماد البلدان المدني
فيها الحرية في التدين، والحرية في إبداء الرأي، وحفظ الأموال والأنفس، والرغبة عن
المعاصي.
ففتحت هذه الوثيقة العهد الجديد في تجديد الحياة السياسية و
الحضارية في العالم الاجتماعي.
الاختتام
إن هذا الدين منذ ظهوره أحدث انقلابا جذريا في حياة الفرد
والجماعة بحيث تغير سلوط الأفراد اليومي وعاداتهم المتأصلة تغيرا كليا، كما تغيرت
مقاييسهم وأحكامهم ونظرتهم إلى الكون والحياة والإنسان... وكذلك تغيرت بنية
المجتمع بصورة واضحة فاختفت مظاهر وصور وبرزت معالم وظواهر جديدة.
فهي المدينة المنورة وضع فيها النبي صلى الله عليه وسلم
أساس الدولة المدنية بعد هجرته بعد ان كانت هذه المدينة في حروب دائمة تعصبت كل
القبائل بنسبها، فأسس بعد قدومه الصلاة والسلام نظم نظم بها المجتمع الجديد تحت
ظلال الإسلام، ومن تنظيمه الأسسي بناء المسجد، والمآخاة، ووثيقة المدينة فيها
معالم المجتمع الإسلامي.
مصادر البحث
غضبان، منير محمد. 1992. فقه السيرة النبوية. مكة المكرمة:
المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى، الطبعة الثانية.
عبد اللطيف، عبد الشافي محمد. 2008. بحوث في السيرة النبوية
والتاريخ الإسلامي. القاهرة: دار السلام، الطبعة الثانية.
العمري، اكرم ضياء. 1983. المجتمع المدني في عهد النبوة.
المدينة المنورة: المملكة العربية السعودية الجامعة الإسلامية، الطبعة الأولى.
Al-Maghlouth, Sami bin Abdullah. 2011. Atlas Perjalanan Hidup Nabi Muhammad
SAW. Jakarta : Almahira, cetakan ke-4
Antonio, Muhammad Syafi’i. 2012. Ensiklopedia Peradaban Islam Madinah.
Jakarta: Tazkia Publishing, cetakan ke-1, jilid 2.
Antonio, Muhammad Syafi’i. 2011. Ensiklopedia Leadership & Manajemen
Muhammad SAW. Jakarta: Tazkia Publishing, cetakan ke-2, jilid 4 &5
Abdullah, Taufik. 2002. Ensiklopedi Tematis Dunia Islam “Akar dan Awal”.
Jakarta : PT. Ichtiar Baru Van Hoeve, jilid 1.
[1]Muhammad
Syafi’I Antonio, EnsiklopediaPeradaban Islam Madinah, (Jakarta :Tazkia
Publishing) 2012, p. 6
[2]اكرم
ضياء العمري، المجتمع المدني في عهد النبوة، الطيعة الأولى، (المدينة المنورة :
المملكة العربية السعودية الجامعة الإسلامية) ص 58
[3] عبد الشافي محمد عبد اللطيف، السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي،
الطبعة الثانية ( القاهرة : دار اليلام) ص 67
[4] عبد الشافي محمد عبد اللطيف، المرجع السابق، ص 66
[5]عبد
الشافي محمد عبد اللطيف، ص 67
[6]Sami
bin Abdullah al-Maghlouth, Atlas PerjalananHidupNabiMuhamad, ( Jakarta : Al-
Mahira, 2011) p. 159
[7] منير محمد غضبان، فقه السيرة النبوية ، ( مكة : المملكة العربية
السعودية جامعة أم القرى) ص 357
[8]اكرم
ضياء العمري، المرجع السابق ، ص 75
[9] اكرم ضياء العمري، المرجع السابق ، ص 77
[11] اكرم ضياء العمري، المرجع السابق ، ص 107
[12]Juz 4, Muhammad Syafi’i Antonio, Ensiklopedia Leadership
& Manajemen Nabi Muhammad SAW, (Jakarta : Tazkia Publishing, 2010) p. 143
[13] اكرم ضياء العمري، المرجع السابق ، ص 61
Tidak ada komentar:
Posting Komentar